الروح القدس إلى صف اي كنيسة ؟








إن الكنيسة قد انقسمت منذ قرون طويلة واصبح هناك كنائس شرقية وكنائس غربية كنتيجة طبيعية للمجامع التي عقدت بعد رحيل المسيح ، وكل اتجاه من هذه الاتجاهات يدعي ان الروح القدس معه وانه هذه الروح هي مصدر عقائد وافكار الكنيسة ومنبع التقليد والتسليم الرسولي جيلاً بعد جيل ، لكننا نود ان نسأل كل من له صلة او كل من يعتقد بهذه المبدأ القائل بمعية الروح القدس مع الكنيسة منذ رحيل المسيح والى اليوم ، نساله : هل ان الروح القدس ينقسم ؟..وهل روح الرب يتعدد ؟...وهل هذه القوة القدسية تختلف وتتباين في افكارها وايدلوجياتها ؟...اذا كان الجواب نعم فهو اسفاف وكذب وسفسطة وتجديف على واحد من مقدسات الكون وثوابت الأديان ، ومن يجرؤ على ادعاء ذلك وهو يعلم مكانة هذه الروح ليس في العهد الجديد وحده وانما في العهد القديم وعصر الانبياء والرسل ؟...ان الذي يدعي ذلك اما يرفض الأعتراف بحقيقة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ، وهي ان الكنيسة المسيحية قد انقسمت عدة انقسامات بعد رحيل المسيح ولم يكن في اي منها الروح القدس مرافقاً او ملاصقاً او مباشراً ، فالله والمسيح لم يقل اي منهما ان التقسيم والتجزئة والتفرقة هي ضرورة او وسيلة او قضية ذات منفعة ، قطعاً لا ، فالأختلاف على طول التأريخ كان موجوداً مع امم انبياء الله القدامى لكنه في ذات الوقت مذموم وعلى لسان يسوع المسيح نفسه حين قال ( وان انقسمت مملكة على ذاتها لا تقدر تلك المملكة ان تثبت ، وان انقسم بيت على ذاته لا يقدر ذلك البيت ان يثبت) (مرقس 3 : 24-25)

ومن الواضح اذن ان الفرقة والانقسام والاختلاف هو شر نتيجة تؤول اليها اي قضية او حركة او دعوة في تأريخ العالم على كل الأصعدة والأشكال لأسباب عديدة اهمها الأنوية والتعصب واعجاب المرء برأيه والتحزب والقضايا النفسية الشخصية وغيرهن ، واذا كان الأنقسام على اثر دعوة دينية كدعوة المسيح والمخلص المنتظر فهذه هي الطامة الكبرى والقشة التي ستقصم ظهر البعير كما يقال في المثل ، وقد انقصم ظهر الكنيسة المسيحية سواء كانت شرقية ام غربية بهذا الأختلاف والتناحر الذي لم يولد سوى العداء والضغية والنقد الداخلي وان لم يرقى الى مستوى العلن والتصريح والتشهير ، فانك حين تخاطب وتناقش قس او مطران معين في تلك الكنيسة او هذه وتسأله عن هذا الأنقسام الحاصل في جسد الكنيسة فانه سيقول لك ان التعدد هو في خدمة الأيمان المسيحي ومفيد في تحريك الفكر وبلورة العقائد وتطور الأيدلوجيات ولا يعني الأختلاف ان هناك تمزيق للصف وغيره من تلك المصطلحات المنتقاة لأجل تغييب وتزييف وتزيين الحقائق المرة ، لكن الامر هو ان هناك خلل ونقص وعدم تمامية في الرضا بهذا الحال بل والدعوة له على انه سبب لدوام الأيمان واستمرارية الروح القدس ، ولن يحتاج العاقل المؤمن المطلع لكثير من العناء والجهد ليتقصى تلك الحقائق ، فجل ما يحتاجه هو الرجوع للكتاب وللوصايا وتقديس كلام الرب وحده بعيداً عن كلام الناس والرجال مهما كان علو مكانهم ومركزهم الأجتماعي او الكهنوتي ، فالعلاقة مع الرب تحتاج الى احترام الثوابت العليا ووضع كل شخص وكل شيء في مكانه وعدم التجاوز على مملكة الرب بأي شكل من الأشكال .
ان الخلاف داخل جسد الكنيسة لم يتحدد او ينحصر في موضوع واحد كي يتم وضعه في دائرة محددة ضيقة لا يتجاوز حده ومكانه ، لا بل ان الواقع ان دائرة الخلاف توسعت لتشمل العديد من الأفكار والآراء ، فحين تم طرح موضوع ماهية المسيح والوهيته وطبيعته ككل اختلفت الآراء ، ومنه توسع الى موضوع العذراء مريم القديسة ام المسيح ومنه الى الأقانيم وماهيتها ، وبعدها وصل الامر الى الطقوس الكنسية والأسرار ، وحتى عقيدة المجيء الثاني ماهيته وكيفيته ، كل تلك الفروع التي تفرعت فيما بعد انما كانت بذرتها الاولى هو انقسام الكنائس في العالم ، ولان الدخول في تفاصيل هذه الخلافيات يحتاج الى مجلدات بل موسوعات تكتب كي تفي بالغرض وتحيط بالمسألة من كل الجوانب ، ولن يقدر لنا طبعاً في هذه الصفحات القليلة ان نغطي ولو ربعها الا اننا احببنا الأشارة اليها في تمهيد بحثنا لاجل التذكير ان اساس ما وصلنا اليه هو بذرة تلك الاختلافات وما ترشح عن الآراء البشرية لآباء الكنيسة الأوائل ، وحتى نتمكن من العودة الى الطريق الصحيح والتمهيد بشكل سليم لطريق القادم الينا لا محالة علينا ان ننبذ هذه الخلافات ، وليس ذاك بان نطلب من رؤساء الكنائس الشرقية والغربية والأدفنتست السبتيون و البروتستانت و شهود يهوة ان يتوحدوا في عقيدة وفكر ومبدأ ومنهج واحد ، فهذا مال بالطبع على الأقل علينا نحن بني البشر العاديين ، فالمسيح هو من سيوحدهم على كلمة واحدة في مجيئه الثاني ولا شك ، ولكن نقول علينا نحن كمنتظرين لمجيء الرب ساعة تلو ساعة ويوماً بعد يوم وسنة بعد اخرى ان نتوحد من خلال الكتاب بعهديه القديم والجديد وان نرفض اي اضافة الى متون الكتاب من قبل الآباء الكنسيين مهما بلغت قدسيتهم عند الناس لأنهم في النهاية بشر خطائون ، وان نرفض البدع وتغيير الناموس الألهي الذي حتى المسيح نفسه لم يغير منه كلمة واحدة ، وايضاً ننظر بعين الأنصاف والحيادية لكل الأطروحات التي تستند على الكتاب لا سواه حتى وان كانت مخالفة للثوابت التي تربينا عليها منذ ان ابصرنا النور ، وان يكون لنا منهج علمي محترم واساس متين لا يتزلزل في البحث والقراءة والتنقيب كل ذلك لأجل عيون القادم الينا من السماء كي يغير حياتنا من الضيم والقهر والظلم والجور والخوف والرعب والتناحر والاختلاف الى عالم يسوده الامان واحترام الانسان والمساواة بين المجتمع والعدل والانصاف والتواضع والتطور والحياة بكل مفاصلها التي خلقنا الله فيها كما يحب ان يرانا لا كما نحب نحن ، وارجو من الرب قبول علمنا وتأييدنا بقوته وملكوته حتى نستطيع ان نعمل شيئاً في خدمته ونجلب عدد من المختارين منذ الأزل ليوم مجيء الرب المجيد .
من فكر المسيح العائد


0 التعليقات: